الرئيسية

الثلاثاء، 25 مارس 2014

الساحر العجوز


لك أن تردى
أو لا تردى


لكنك لا تملكين أن تمنعي وجهك من زيارتي
لا تملكين أن تمنعي عاشقا من ملاحقة طيفك
لا تملكين أن تذهبي إلى الليل
وحدك
أو في صحبة
دون أصابعي

لك أن تحبي
وأن تملأى الدنيا جنونا
وتملأى شوارع القاهرة عشاقا ومجاذيب

لك أن تفتقدي شوارع المنيل
وتتحدثي عن بائع الشاي
ورغبته السرية فى رؤية خطواتك الخجلى
وضحكتك العبيطة

لك أن تتذكري كلمات شحيحة
لعاشق يسميك "امرأة الفرح"
ويبسط يده فى انتظار أصابعك
يحب الورد كثيرا
ويهديك أشواكه
يصمت طويلا قبل أن يقول "أحبك"
وكأنه يقرر الانتحار

لكنك لا تملكين أن تغلقي شباك بهجتك الطفولية حين يقولها
وحين تمر أصابعه النحيلة حول خصرك
وتلامس أطرافها شفتيك
حين تدور حول وجهك
وتتوقف قليلا فوق وجنتيك
وعند منابت الشعر
تحاول قراءة ما خلفته الأيام من قلق
وهدهدة الندوب الدفينة فى صمت عينيك

***
لك أن تذكري
أو لا تتذكري

وأن تقولى
أو تصمتى

لكنك لا تملكين أن تمنعى فيروز من الغناء:
"وكنت وعدتنى
ياقلب أنى
إذا ما تبت عن ليلى تتوب"
لكنك لا تملكين أن تخفضى من صوت أم كلثوم
حين يهمس :
"ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم
بعدما عز اللقاء"

***
الساحر العجوز يفتح الأبواب رغم ضعفه
وتقاعد العصا

الساحر العجوز
ترتعش أصابعه
لكن طفلة تراوده
تريد لحظات من الفرح
بيتا فى الهواء
تريد قلبا خالصا لها

الساحر العجوز يسأل :
"يا الله
لماذا أجلستنى فى ذلك الكرسى أراقب مفرداتها السوقية
وخطواتها المتعبة؟
لماذا وضعتنى فى تلك الزاوية أسرق الأشواق من عينيها؟
ولماذا أخذتها منى؟
لماذا أحبها
أحبها ..وتحبنى
وتحب يدها أصابعى؟


***
الساحر العجوز
ترتعش أصابعه
ويريد ضحكتها العبيطة

الساحر العجوز
ترتعش أصابعه
ويبنى بيتا فى الهواء


الساحر العجوز
ترتعش أصابعه
ويعطيها قلبا خالصا لها
ولحظات من الفرح

الساحر العجوز ترتعش أصابعه
وينام









أجلسُ الآن منفردًا بأوراقي ووقتي
ولي
أن أصنعَ ما شِئتُ من هزائمَ
وخَيَابَاتٍ عَظيمة
لي
أن أقولَ عن العُشّاقِ،
والليلِ،
ورغباتي الجَامحة.
لي
أن أتحدثَ عن أمنياتِ الصباح
التي أُطاردها بلهفة
بمكانٍ لشخص واحد في أتوبيس النقل العام،
بمقعدٍ في ميكروباص غير كامل العدد،
بامرأة جميلة تراقبني من مرآة التاكسي.
أفكر في سيجارة رخيصة من عجين التبغ والسوس
دون أن أهتم بما يصيبني منها.
أفكر في موعدٍ تم تأجيله عشرات المرات
وكأنني لا أدرك حقيقة أن وجهي لم يعد طيبًا،
ولا يفتح أبواب الأصدقاء
وبالأولى قلوبهم.
عندما قالت لي وهي تقرأ الفنجان:
“أراهم جميعا ينفضون من حولك”
لم تشغلني كلماتها
فجميعهم يذهبون بلا مقدمات،
ولا أحزان تعلن الرحيل
كأنني اعتدت خطوات ذهابهم عني
كان قلبي ينتفض فرحا
فقد أدركت أن نوبة السادية تعود بقوة.
لم تعد الأبواب لي
ولم يعد بالقلب متسعٌ للغرام.
أنا الآن مهيأٌ للفَرحِ
والرقصِ وحيدًا
كأنني كنت أدرك أن وحدتي
هي تلك القوة التي أحفر باسمها قلبي
وأتوارى منها في أعين الأصدقاء
والكلمات والمشاعر الزائفة.
أسميتها
حزني الذي لا ينام
وباب بيتي
“حصالتي” عندما كنت صغيرا
وكنت أفرغها
كلما أحسست برغبة في أي من تفاهاتي الكثيرة.
رأيت في عينيها
لماذا أحب الحياة
وأقدس الموت
عرفت
لماذا يحترف المصريون لملمة الجراح
وجمع العظام
لماذا يأملون في إحياء الموتى بدموعهم.
أسميتها
ليلةٌ.. قضيتها وحيدا
وقطفت ثمارها وحيدا
صباحٌ.. بدأته وحيدا
وقرأت انكساره وحيدا
قهوةٌ..
شربتها وحيدا
وعمرٌ.. ما زلت أحلم أن أرى خلاله
نهارا غير الذي عرفتُ
قهوةً.. غير التي شربتُ
ليلةً.. غير التي قضيتُ
عمرٌ.. ما زلت أحلم ألا ينتهي بي وحيدا.
أسميتها باسمي
وباسم الله.
أسميتها
حديقة العشاق
وجنة المهزومين.
هزيمتي
وطني
وهج يحترق في كل صباح
ويقتله الظلام
وأولاد الحرام.
أسميتها
رقصتي التي طالت
وسرت في عذابها حتى الدوار
أسميتها
فرحتي التي ابتلعتها مياه البحر
أنقاض البيوت
وحرائق التجار
فرحتي التي يقتلها جنود يدافعون عن أعدائهم
ويعرفون أنه النخاس والسمسار
لاسمها بَريقٌ غَامِضٌ
وسِحرٌ مُفاجئٌ
لاسمها ما للرمالِ مِن نعومَةٍ
وللحَدائقِ مِن فَاكهةٍ وعصَافِيرَ
لاسمها يَنفَتحُ قَلبي
ويَحترقُ الليلُ
وأصنعُ الهزائمَ
والرَغباتِ الجَامحة.
لاسمها
موعد تم تأجيله عشرات المرات
ولحظة أنفض فيها نفسي من الجميع
وأبدأ نوبات الفرح السادية
والرقص وحيدا
أبدأ رحلتي في أصوات العابرين
ودماء عيوني.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق